“السيّد فضل الله: من يمزّق الداخل يرتكب خيانة بدم بارد!”

“السيّد فضل الله: من يمزّق الداخل يرتكب خيانة بدم بارد!”

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الرّضا (ع) تلميذه السيّد عبد العظيم الحسني الّذي يزار في طهران، ويسمّى بالشّاه عبد العظيم، وهو من كان الإمام (ع) يرسله ليبلّغ عنه: أبلغ عنّي أوليائي السّلام، وقل لهم: أن لا يجعلوا للشّيطان على أنفسهم سبيلًا، ومرْهم بالصّدق في الحديث وأداء الأمانة وأمرهم بالسكوت وترك الجدال في ما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة، فإن ذلك قربةً إليّ ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضًا فإنّي آليت على نفسي أنّه من فعل ذلك وأسخط وليًّا من أوليائي، دعوت الله ليعذّبه في الدّنيا أشدّ العذاب، وعرّفهم أن الله قد غفر لمحسنهم وتجاوز عن مسيئهم، إلا من أشرك به أو آذى وليًا من أوليائي أو أضمر له سوءًا، فإن الله لا يغفر له حتى يرجع عنه.

لقد أراد الإمام (ع) أن يظهر الصّورة الحقيقيّة للمنتمين إلى أهل البيت (ع) فلنتدبرها ولنستوصي بها لتجعلنا أكثر وعيًا ومسؤوليّة وقدرة على مواجهة التحديات.

والبداية ممّا لا زلنا نعاني منه وهو الاعتداءات الاسرائيليّة المستمرّة على هذا البلد، حيث يواصل العدو عمليّات الاغتيال واستهدافه للبيوت والغرف الجاهزة التي يستخدمها أهالي المنطقة الحدوديّة كبديل ولو موقّت عن البيوت التي دمّرها العدو في هذه القرى، أو في الغارات التي طاولت أخيرًا محيط النبطيّة بكل التداعيات الّتي تركتها والرعب الّذي خلّفته بفعل نوعيّة القنابل الّتي استخدمتها في اعتداءاتها، وهو في ذلك لا يزال يتعامل من موقع أنه يملك حرية الحركة من دون أي رادع، مستفيدًا من ذلك الصّمت المطبق عن كل جرائمه واعتداءاته من اللجنة المكلفة بتطبيق قرار وقف اطلاق النار والدول الضامنة له، فيما قامت وتقوم الدولة اللبنانيّة ومن خلفها المقاومة بالايفاء بالتزاماتها بكل مندرجات قرار وقف اطلاق النار، وحتّى ملاحقة كل من يعمل على المس به.

إننا أمام ما يجري، نجدّد دعوة الدولة اللبنانيّة إلى تفعيل دورها الذي أخذته على عاتقها على الصّعيد الدبلوماسي وأن ترفع صوتها في المحافل الدوليّة وهي تستند في ذلك إلى ما عبّر عنه قائد قوّات اليونيفيل في لبنان عندما قال إن اسرائيل هي من تعرقل تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف اطلاق النار وهي من تمنع الجيش اللبناني من تنفيذ ما هو مطلوب منه حتى لا يتحول ما يجري من عدوان إلى أمر روتيني واعتيادي وكأن شيئًا لم يحصل. ونحن في الوقت نفسه، نجدّد تأكيدنا على الموقف اللبناني الموحّد في مواجهة هذه الاعتداءات واستمرار العدو باحتلاله لأرض لبنانيّة ما يمسّ بسيادة لبنان… وأن يكون التصويب على هذا العدو لا كما يجري من قبل البعض على موقع من مواقع القوة في هذا البلد مما يخشاه العدو ويحسب له حسابًا حيث لا يمكن أن يواجه هذا العدو بكل القدرات التي يمتلكها والتغطية السياسيّة الّتي تأمنت له بالضعف وبهذا الترهل والانقسام الذي نشهده عبر التّصريحات أو المواقف أو عبر ما يصدر من بعض وسائل الاعلام.

ومن هنا، فإننا نعيد القول للقوى السياسيّة إن من حق كل فريق منها أن يكون له رأيه السياسي وموقفه مما يجري على صعيد البلد وفي كيفية التعامل مع التحديات التي تواجههم ولا نرى أي مشكلة في وجود هذا التنوّع الذي هو أمر طبيعي وقد عهدناه في هذا البلد، لكن هذا لا ينبغي أن يتم بالخطاب المتوتر والموتر الذي يزيد من انقسام السّاحة الداخلية ويثير الهواجس والمخاوف بين اللبنانيين ويسهم في زيادة الشرخ في ما بينهم والّذي قد يأتي بناء على فعل أو رد فعل، ودائمًا نؤكّد أن الخطاب المستفز سيقابله خطاب مستفز والكلام القاسي يرتد كلامًا قاسيًا، إننا نريد للغة الحوار الموضوعي الهادئ ولغة العقل أن تكون حاكمة دائمًا في أي موقع للخلاف وهي التي تحقّق النتائج والحلول، ونحن، على هذا الصّعيد، نعيد التأكيد على الوسائل الاعلامية أن تكون حريصة في هذه المرحلة على أن يكون دورها اطفائيًا وموضوعيًا وأن تشيع كل ما يعزز الوحدة الداخليّة وأن لا تبيح منابرها لكل من يريد إثارة الفتنة أو الحساسيات الطائفيّة أو المذهبيّة أو السياسيّة ومن لا يريد لهذا البلد الاستقرار والتآلف بين مكوّناته.

ونصل إلى الانتخابات البلديّة، حيث نثمّن دور الدولة ووزارة الداخليّة بالتحديد نجاحها في اجرائها بكل حريّة وبعيدًا من أي تدخلات والّذي سيشكّل حافزًا ايجابيًا لاستكمال الجولات الأخرى والاستحقاقات التي ستأتي وهو ما يعيد الاعتبار لدور الدولة وحضورها الّذي نريده أن يتعزّز، في الوقت الّذي نتمنّى للبنانيين تجاوز كل ما نتج من هذا الاستحقاق من انقسامات والاستعداد لمواجهة المرحلة التالية من الانتخابات بروح رياضيّة ووطنيّة يكون تعبيرها في صناديق الاقتراع لا استفزازًا مما يُعمل عليه على الأرض…

ونصل إلى غزّة الّتي يستمرّ العدو فيها بمجازره وحصاره المطبق لها في إطار حرب الإبادة التي يشهدها القطاع وفي اطار السّعي المستمر لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ومصادرة قراره الّذي يُسعى إليه الآن والّذي مع الأسف بات لا يهز ضمير العالم ومن ينادون بحقوق الإنسان، في الوقت الذي يصرّ هذا الشعب على مواجهة العدو من خلال مقاومته وصبره وثباته وعدم السّماح له بأن يحقّق أهدافه ما يدعو إلى الوقوف مع هذا الشعب واسناده بكل سبل الاسناد، وهنا لا بد أن نشيد بموقف الشعب اليمني ومقاومته الذي رغم كل التضحيات التي تحملها ولا يزال يتحملها يصر على الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وهو بذلك قدم ويقدم أنموذجًا على هذا الصّعيد نريد أن يُحتذى به.

وأخيرًا، نتقدّم بالتهنئة للمسيحيين الكاثوليك بانتخاب البابا رئيسًا لكنيستهم والّذي نأمل أن يحمل رسالة السيّد المسيح (ع) الّتي تدعو إلى المحبة والوقوف في وجه الظلم مما بات يتهدّد استقرار العالم في أمنه واقتصاده ونصرة المظلومين والفقراء والمعذّبين والمهمّشين.